نص كلمة السيد عميد كلية العلوم الاسلامية المحترم و المشرف العام لمسابقة "أمة تقرأ" الدكتور طلال فائق الكمالي في الحفل الختامي للمسابقة

                                 بسم الله الرحمنِ الرحيمٍ

الحمدُ للهِ وكفى والسلام على مَن اصطفى نبيُّه علمُ الهُدى وخيرُ أولِي النُهى وعلى آلهِ أنوار الدُجَى وعلى أصحابه المنتجبين إلى قيام يوم الدين.

أصحابُ السماحةِ والفضيلةِ والمعالي من علماءَ ومفكرينَ ومسؤولينَ وضيوفٍ، مع حفظِ مقاماتكم بمُسمَّياتِها الرفيعةِ، أُحيِّكًمُ بتحيةٍ طيبةٍ عطرةٍ مُعطَّرةً بوحي العلمِ والمعرفةِ وفضائِهِما الواسعِ الذي تسودُهُ المحبةُ والاحترامُ والسلامُ، فالسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.

أما بعد:

     فيا أيُّها السادةٌ الضيوفُ الأكارمُ، أبتدئ الترحيبَ بكُم أيَّما ترحيبٍ، وأثني على قدومِكًم، وأُقدِّمُ بَينَ أيديكُم أزكى آياتِ الشكرِ والعِرفانِ لِمَا تحمَّلتموهُ من عناءِ السفرِ وإلزامِ أنفُسِكُم الحضورَ؛ لنقص عليكم نبأ (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) مثَّلوا مؤونةَ اجتماعِنا وزادَ عملِنا.

  السادةُ الحضورُ إنَّ مسابقةَ (أمةٌ تقرأ) لم تولدْ عن فراغٍ أو ترفٍ فكريٍّ أو مظهرٍ إعلامي أو ظاهرةٍ اجتماعيةٍ؛ بل هي مُسابقةٌ وُلدتْ من تواشُجِ الأفكار المُفعَمَةِ بشعورِ المسؤولية، مكلَّلةً باهتمامِ مسؤولي العتبةِ الحسينيةِ المقدسةِ وسعيهِم إلى ريادةِ الإنسانِ والوصولِ به إلى أعلى مراتبِ العلمِ والمعرفةِ، وكلُّ ذلك متمثلًا بعنايةِ سماحةِ الشيخِ عبدِ المهدي الكربلائي المتولِّي الشرعِّي للعتبةِ الحسينية ِالمقدسةِ "دامت بركاته" والسيدِ الأمينِ العامِّ ونائبهِ فضلًا على أعضاءِ مجلسِ الإدارةِ وبقيةِ المسؤولينّ "دامتْ توفيقاتُهُم" جميعًا.

    نعمْ، إنَّها مسؤوليةُ ذاتُ رؤيةٍ ثاقبةٍ اُستُذكرَ فيها تاريخُ الماضي وتصفُّحُ أوراقهِ، وقراءةُ الحاضرِ وظروفهِ الذاتيةِ والموضوعيةِ، واستشرفتْ مستقبلًا يرسمُ خارطةَ الطريقِ لحضارةٍ مِلئُها التطورُ والنهوضُ بدلًا من النحيبِ على حضارةٍ كانت قِوامُ كلِّ الشعوبِ والأممِ.

   إنَّها مسؤوليةٌ لبناءِ صرحٍ علمّيٍ ومعرفيٍ من مفكرينَ وفلاسفةٍ وأُدباءَ وعلماءَ في ميادينِ المعرفةِ كافّةٍ، مسؤوليةُ بناءِ إنسانٍ يَستصرِخُ وطنًا لاحتضانِهِ ورعايتِهِ، ووطنٌ هو الآخر يَستصرِخُ إنسانًا يُثمنُ أرضَهُ وسمائَه وخيرَه الذي يعيشُ فيه، مسؤوليةُ لمْلمَتْ جراحَ عراقٍ أثقلَتُهُ الأوجاعُ والمِحنُ، وعراقيون مَدّوا أنظارَهُم إليه بعدَ أنْ تعكّزَ على عزيمتِه بعدَ ويلاتٍ وآهاتٍ ليقف على قدميه شامخًا أبيًّا، إنَّها مسؤوليةُ العروجِ من الماديةِ المقيتةِ التي أوغلتْ التأثيرَ لمسخِ هويةِ الإنسانِ عبرَ تحَجُرِ قلبهُ، وتصُحرِ نفسهُ، وضُمورِ عقلِهِ، ليَصِلَ إلى روحِ الإنسانيةِ أينَّ ما حطَّ كريمُ اللهِ رحلَهُ، ونبضَ بالحياةِ قلبُهُ، إنّها مسؤوليةُ الوفاءِ إلى السبطِ الحسينِ (g) لرفعِ رايةِ كلمةِ اللهِ تعالى ورسالتَهُ لمُسايرةِ رايةِ انتصارِ الدمِ على السيفِ.

    لا شكَّ أيُّها الأحبَّةُ الأفاضلُ إنَّها المسؤوليةُ التي انبثقت من الإحساسِ بأهميةِ هذا المشروعِ الرائدِ والنوعيِّ الناهضِ، والمكلَّلِ بالعملِ بجدٍ واجتهادٍ، وهمةٍ وعزمٍ وإرادةٍ لتسليطِ الضوءِ ليكشفَ أنَّ العراقَ لا زالَ ولّادًا للطاقاتِ والإمكاناتِ التي يمكنُ بها تعبيدُ طريقَ مستقبلٍ زاهرٍ، وبأبنائهِ عامرٌ، ومن كلِّ درنٍ طاهرٌ.

   أعزتي الأحبَّة ُ(مسابقة أمةٌ تقرأ) انطلقتْ بنسختِها الأُولى عامَ 2024م تزامنًا وولادةِ الرسولِ الأكرمِ (s) لتُجدَّدَ العهدَ بنسختِها الثانيةِ مع المناسبةِ نفسِهِا تعبيرًا عن إحياءِ ذكرى مُنقِذِ البشريةِ من الظلالةِ وظلمةِ الجهلِ إلى نورِ الإيمانِ، وضياءِ الهُدى، وبرهانِ العلمِ ودليلِهِ، ومن التَّيهِ والسفاهةِ والضياعِ إلى الوقوفِ على حقائقِ الأشياءِ وماهيتِها، ومن الوَهمِ والشَّكِ إلى اليقينِ القاطعِ، بوصفِ صاحبِ الذِكرى (s) أنَّه هو من بثَّ الحياةَ في جسدٍ ميتٍ خالٍ من نفحةِ الحياة، إذ غرسَ في تلكِ الصحراءِ القاحلةِ و(بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) شجرةً كـ(شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ) من أجلِ ذلكَ قالّ اللهُ تعالى فيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).

     ولعلَّ مِن ثمارِ تلكَ الشجرةِ الطيبةِ التي (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) هذا المشروعُ؛ لعلمِنا بأنَّ الشجرةَ (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) لِمَا في المشروعِ من طلبِ رضا اللهِ تعالى، وخدمةِ الدينِ والإنسانِ والوطنِ، من هنا كانتْ ولادةُ مشروعِ مسابقةِ (أمّةٌ تقرأُ) مفعمًا متساميًا بفيوضاتِ شريعةِ الإسلامِ، ونفحاتِ الرسولِ الأكرمِ (s) ووجودِهِ الرحمانِي، وبركاتِ المولى الحسينِ (g) وأنفاسِ المخلِصينَ المتوكلينَ على اللهِ تعالى جلَّ شأنُهُ، إذ لا يَخفى سادتي الحضورُ أنَّ من تجلياتِ ثمارِ تلك الرحماتِ التي مآلاتُها وجودُكُم للاحتفاءِ بمجموعةٍ من الفتيةِ والشبابِ، من مخاضِ واحدٍ وعشرين ألفًا ونيفٍ من طلابِ وزارتي التربيةِ والتعليمِ العالي، الذينِ قرعُوا أبوابًا مؤصدةً لا يمكنُ أنْ يفتحُها إلا ذو لُبٍ، مِمن يعلمُ أنَّ مفاتيحَ البناءِ والحضورِ بيدِ طلابِ العلمِ والمعرفةِ، فقد تسلَّقَ هؤلاءِ المتألقونَ الناهضونَ سُلَّمَ الرفعةِ والعلوِّ ليقولوا كلمتهم، ويخُطًوا حضورَهُم بثباتٍ، ويرسُمُوا معالم َطريقِ مستقبلهِم بثقةٍ وعزمٍ وإرادةٍ.

    الحضورُ الكريمُ إنَّ المائزَ الذي انمازَ به هذا المشروعُ، هدفُهُ لَبَنَةَ النظامِ الاجتماعي من الفتيةِ والشبابِ، وانمازَ أيضًا محورُ موضوعهِ بطلبِ العلمِ، وشغفِ القراءةِ، وولَهِ التعلمِ والتعليمِ؛ لأنَّ المشروعَ يستنطقُ العقولَ، ويُنشِّطُ الفكرَ بين المعلومِ والمجهولِ، لإدراكِ حقائقِ الوجودِ بما هو موجودٌ، بالتفكُّرِ والتدبُّرِ والفهمِ، ومن مائزِ هذا النشاطُ أيضًا أنَّ الداعيَ من ورائِه والغايةَ منهُ بناءَ إنسانٍ قادرٍ على فهْمِ نفسِهِ، وبناءَ كينونةِ ذاتِه، والتشبُّهَ بمنظومتِهِ القِيَميةِ، والعملَ بمبادئِه العِقديةِ، التي استخلفَها من المطلقِ جلَّ وعَلا.

     أيُّها السادةُ أصحابُ الهِمَمِ وبناءِ المشروعِ أقول: يُعدُّ الأهمَ من كلِّ ما تقدَّمَ، الأخذُ بيدِ هؤلاءِ الثُلةِ من الشبابِ الواعي، المدركِ لذاتِه ووجودِهِ، الواثقِ بنفسِهِ وقدراتِهِ إلى محلٍّ يليقُ بِهِم من حيثُ الرعايةِ والاحتضانِ والإكبارِ استحقاقًا لهُم، وحافزًا لِغيرهِم، لذا اقتضى على قِمَمِ أصحابِ الشأنِ والمسؤوليةِ، العملُ على تحقيقِ هذا المطلبِ على وِفقِ المباني الشرعيةِ والعقلية ِوالعرفيةِ والوطنيةِ.

     على أساسِ ذلكَ نلحظُ أيُّها السادةُ الكرامُ أنَّ إدارةَ العتبةِ الحسينيةِ المقدسةِ أوْعَزَتْ إلى لِجانِ هذا المشروعِ تجنيدَ أنفسهِم عبرَ صياغةِ كلَّ ما ينُمُّ بصلةٍ لإنجاحِ هذا المشروعِ والارتقاءِ به، فقد اجتمعتْ اللَّجنةُ المشرفةُ العُليا لإقرارِ مختاراتِ اللَّجنةِ العلميةِ لكتبٍ ثلاثٍ لتستوعبَ المحاورَ العَشَرَ، بعد أنْ أَقرَّتْ بعضَها وتداولتْ في تغيرِ بعضّها الآخرِ بما ينسجِمُ مع المكوِّنِ العراقيِّ بوصفِ المسابقةِ مسابقةً وطنيةً، ونجدُ اللَّجنةَ المشرفةَ قد تواصلتْ مع اللَّجنةِ العلميةِ عندَ  تحكيمِ قُدراتِ المتنافسينَ والتسابقِ فيما بينَهُم عبرَ آلياتٍ ومعاييرَ دقيقةٍ وموازينَ علميةٍ مُحَكَّمَةٍ، تَصُبُ جميعُها في تقييمِ المتنافسِ ألكترونياً حفاظًا على سِرِّيةِ العملِ لتحقيقِ الإنصافِ والعدالةِ، في قُبالِ ذلكَ وجدنا حضورَ اللَّجنةِ التحضيريةِ فاعلًا من أوَّلِ يومٍ للمسابقةِ بنسختِها الثانيةِ، انطلاقًا من التواصلِ مع وزاراتي التربيةِ والتعليمِ العالي وتشكيلاتُهُما في مديرياتِ المحافظاتِ، والجامعاتِ الأُمِّ في المحافظاتِ نفسِها، إذ لُوحظَ تفانِي هذه اللًّجنةِ لإنجاحِ تصفياتِ المتسابقينَ في داخلِ المحافظات، ِوالنظرِ في تطبيقِ قواعدَ التنافسِ التي أُعِدَّتْ لهُم من قَبْلُ، ومتابعةِ مجرياتِها، فضلًا على متابعتِها لِمِا آلَ من ثلاثة فائزِينَ من كلِّ محافظةٍ وللتشكيلينِ أيضًا.

 ونجدٌ اللِّجانَ جميعَهَا تابعتْ التصفياتِ النهائيةَ التي اُجريتْ في أروقةِ العتبةِ الحسينيةِ المقدسةِ ومظلَّتِها، التي كانتْ تؤدِّي عملَهَا في مرحلتينِ يُفرزُ عن طريقِ المرحلةِ الأُولى: الأول مِن كلِّ مديريةٍ وجامعةٍ، والمرحلةُ الثانيةُ مَهَمَّتُها فرزُ المراتبَ الثلاثِ على العراقِ للتشكلَينِ، بلحاظِ أنَّ جائزةَ المسابقةِ ستُمنحُ للتشكيلَينِ كلٌّ على انفرادٍ وبالقيمةِ نفسِها، كلُّ تلكَ الإجراءاتِ كانتْ بمعيةِ اللَّجنةِ العلميةِ الرئيسةِ، وإشرافِ  اللَّجنة التحضيريةِ ورعايتِها، فضلًا على اللَّجنةِ المشرفةِ العُليا، بُغيةَ إنجاحِ المشروع ِ في أتمِّ وجهٍ وأكملِه.

    أيُّها الأحبَّةُ أُكرِّرُ شُكريَ وإكباريَ للضيوفِ الحضورِ، ولِلجهةِ الراعيةِ العتبةُ الحسينيةُ المقدسةُ التي عُرِفَ عنها وبقيةِ العتباتِ المقدسةِ بوضعِ اليدِ على الضرورياتِ والأولوياتِ وسَدِّ الفراغاتِ التي لمْ يَلتفتْ غيرُهُم إليها، لِمَا أُلهِمُوا بمائزٍ تجلَّتْ إسهاماتُه بأعمالٍ عظيماتٍ نافِعاتٍ بأيدٍ ناصِعاتٍ بيضاءَ، محلُّها أزِقَةُ النجفِ الضيقةِ، لتمتدَ بجودِها وكَرَمِها، وحُسنِ صُنْعِها، وبديعِ صياغتِها بمَن هُم في داخلِ العراقِ وخارجَه، أدامَ اللهُ وجودَ المرجعيةِ العُظمى وبركاتِها وعزَّتَها.

     ولا يفوتَنِي أنْ أشكرَ أحبتَنا الطلبةَ مِمن شاركَ في هذه المسابقةِ مِمن فازَ ومِمن لم يفزْ، وأقولُ لهُم: لقد فُزْتُم وربِّ الكعبةِ، فُزْتُم جميعًا من دونِ شكٍّ، فُزتُم بطلبِ العلمِ وبناءِ الذاتِ، وفوقَ هذا وذاكَ فُزْتُم برضا اللهِ تعالى، وأُباركُ لأولياءِ أمورِكُم، ولاسيَّما مَنْ نالَ الدرجاتِ العُليا، وأشكرُ أعضاءَ لِجانِ المشروعِ كافةً، بما فيها تشكيلات وزارتي التربية والتعليم العالي الذين أبلوا بلاءً حسنًا، وتشكيلاتِ العتبةِ الحسينيةِ المقدسةِ التي ذللَّتْ للِّجانِ المشروعِ كلَّ الصِعابِ، وأَشكُرُ الجِهاتِ الإعلاميةِ التي شاركتْ في تغطيةِ هذا الحدثِ المُهمِّ والفاعلِ.

     ولِأحبتِي المشاركينَ في هذا المشروعِ أقولُ: إنَّكُم قادةُ مستقبلِ العراقِ ورجالاتِهِ من ذكورٍ وإناثٍ، وإنَّكُم مؤونتَهُ التي يستقي مستقبلَهُ منها، ورصيدَهُ الواعدُ الذي يُعوِّلُ عليه، أسألُ اللهَ تعالى أنْ يُقِرَّ عينَ المولى الحسينَ (g) وعيونَ العراقيينَ وعيونَنَا بِكُم، وأنْ يكونَ هذا المشروعُ منطلقًا حقيقيًا لخدمةِ الدينِ والإنسانِ والوطنِ.

    وأخيرًا لا يفوتَنا أنْ نَترحَمْ على مَن كانَ بَينَنَا، مِن اللَّبنةِ الأُولَى لتأسيسِ هذا المشروعِ، عضوُ اللَّجنةِ المشرفَةِ سماحةُ السيدِ الأخِ الفقيدِ "محمد علي بحرُ العلومِ" الفقيدُ الذي كانَ حضورُهُ فيءٌ وقولُهُ فصلٌ، ومسيرتُهُ قصةٌ مقصدُها خدمةُ دينِ اللهِ وشريعَتِهِ، غايتُها حُّبُّ اللهِ ورضاه "رحِمَهُ اللهُ تعالى" وأسكنَهُ فسيحَ جنَّاتِه.